info@assayad.com     +971 2 443 7475     +971 777 55 33
العدد 3907
 - 
الخميس ٢٥ - أبريل - ٢٠٢٤ 
ABU DHABI
ABU DHABI
الخميس ٢٥ - أبريل - ٢٠٢٤  /  العدد 3907
الأرشيف
تابعونا على فيس بوك
تابعونا على تويتر
الإمارات تحارب هذه الآفة بكل حزم د. جمال السويدي:
تزوير الشهادات العلميَّة جريمة بحق الحاضر والمستقبل
تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة إلى قطاع التعليم بشكل عام بعين الاهتمام والرعاية، وتقدّم كل ما من شأنه تعزيز المنظومة التعليمية، التي تقوم على التميز والريادة، انطلاقاً من أهمية ذلك في خلق كفاءات بشرية، قادرة على التطوير والإبداع، وتلتزم بشكل صارم بكل ما تنص عليه الشرائع والقوانين الدولية الناظمة لعملية النزاهة والشفافية والمصداقية في مختلف القطاعات، وعلى رأسها التعليم.. وانطلاقاً من هذه المعايير والاشتراطات الإنسانية والقانونية، فإن دولة الإمارات، ليست بغافلة عن مسألة خطورة "تزوير الشهادات العلمية".
الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.. يتابع منذ فترة هذه القضية المهمة من منطلق الحرص على أجيال المستقبل وذويهم من التعرض للخداع على أيدي محترفي نشر هذه الآفة الخطيرة التي تهدد منظومة القيم المجتمعية.

يقول الدكتور جمال سند السويدي: يمثل التزوير خطراً داهماً ومدمراً في أي مجتمع ينتشر أو يتفاقم فيه، فما بالك إذا كان هذا التزوير يتعلق بالشهادات العلمية، خاصة شهادات الماجستير والدكتوراه، التي يفترض أن أصحابها يمثلون النخبة التي يُعوَّل عليها في قيادة المجتمع نحو التطور والترقي والنمو في المجالات المختلفة؛ ففي هذه الحالة نكون إزاء جريمة تدمر الحاضر والمستقبل معاً، وتعصف بكل معاني الكفاءة والاجتهاد والجدارة والمنافسة الشريفة، في وقت تعول فيه القيادة بالمنطقة، وفي مقدمتها القيادة في دولة الإمارات العربية المتحدة، على التعليم والبحث العلمي الرصين والكوادر المؤهلة؛ لقيادة مسيرة التنمية في العصر المقبل، عصر ما بعد النفط الذي أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، أهمية الاستعداد له من الآن، من خلال الاستثمار في التعليم.
ظاهرة متفاقمة
ويتابع السويدي: لقد تم اكتشاف عشرات الحالات في أكثر من بلد من بلدان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لشهادات مزوَّرة أو وهمية في تخصصات مختلفة، يعود بعضها إلى مسؤولين ومديرين وأصحاب مناصب ووظائف مهمَّة، خلال الفترة الماضية، ما يؤكد أننا إزاء ظاهرة متفاقمة ومتضخمة، ومن ثم تحتاج إلى وقفة جادَّة من الجهات المتخصصة، قبل أن تتحول إلى مرض خبيث ينتشر في الجسد الخليجي، ومعول يهدم كل تطور أو تقدم، ويفرغ أي حديث عن العلم ودوره في نهضة بلادنا من مضمونه الحقيقي، والخطير في الأمر أن هذه الظاهرة ليست حديثة أو مفاجئة؛ وإنما هي مستمرة وتتزايد منذ سنوات، تحت نظر الأجهزة الرقابية المعنية التي لم تستطِع إيقافها أو الحد منها على الرغم من كثرة هذه الأجهزة.
تزوير يهدد الحياة
ويضيف السويدي: لعل أخطر ما يلفت النظر في هذا الخصوص، أن التزوير لا يتوقف عند حد التخصصات الإنسانية والاجتماعية، وإنما يمتد إلى التخصصات الطبية والهندسية التي يفترَض أن تزوير شهاداتها صعب؛ لأن الجانب العملي فيها هو الجانب الأكبر، كما يفترض مراعاة أعلى معايير المهنية والأخلاق فيها؛ لأنها تتعلق بحياة الناس وسلامتهم، لكن ضعف إجراءات التدقيق على الشهادات دفع المزورين إلى التجرُّؤ على ما لا يمكن تصوره، ولك أيها القارئ الكريم أن تتخيل معي معنى أن يمارس شخص ما مهنة الطب، ويشخص الأمراض، ويصف الأدوية، بل يجري عمليات جراحية، ويتحكم في أرواح الناس، بينما هو لا يملك الشهادات أو المهارات التي تسوّغ له القيام بذلك، ومارس هذه المهنة الدقيقة والمتخصصة بوثيقة مزيفة..! والأمر نفسه ينطبق على المهندس، الذي يشرف على تخطيط المباني وبنائها من دون أن يكون قد درس الهندسة بشكل حقيقي..! النتائج سوف تكون كارثية من دون أدنى شك، ليس على مستوى الاقتصاد والتنمية فقط؛ وإنما على مستوى خسائر الأنفس والأرواح.
قمة جبل الجليد
وعلى الرغم من العدد الكبير من الشهادات المزيفة، التي تم الكشف عنها في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال السنوات الماضية؛ فإن هذا لا يمثل، للأسف الشديد، سوى جزء بسيط من قمة جبل الجليد المخفيّ تحت السطح، فلا يزال العدد غير المكتشَف أكبر بكثير في كل المجالات، وهنا يكمن مصدر الخطورة؛ لأن المسألة كانت مستمرة منذ سنوات طويلة، وتتسم بالتعقيد الكبير، والسرّية المطلقة، وتقوم عليها جهات ومكاتب متخصصة بهذا النوع من التزوير، ولديها خبرة كبيرة في إخفاء جرائمها؛ بينما الأجهزة الرقابية غافلة أو غير قادرة على وضع يدها على الثغرات التي ينفذ منها المزورون لتنفيذ جرائمهم.
"شراء البحوث العلمية"
وفضلاً عن ذلك؛ فإن جريمة تزوير الشهادات ليست جريمة تزوير عادية، وإنما هي جريمة معقدة؛ ولذلك فإن من الصعب اكتشافها والإلمام بكل خيوطها؛ ويحتاج ذلك إلى جهد كبير وتعاون واسع بين جهات عديدة في الداخل والخارج؛ فثمَّة أنواع مختلفة من التزوير؛ فهناك التزوير الصريح للشهادة العلمية؛ بمعنى استخراج مستند مزوَّر وغير حقيقي ولا أصل له في المؤسسة التعليمية المنسوب إليها، وهناك التزوير من خلال الحصول على شهادة صحيحة من حيث الإجراءات والأختام وغيرها، ولكن من دون أي جهد من قبل صاحبها؛ لأنه أسند إلى آخرين إعداد البحث، أو البحوث العلمية المطلوبة للحصول على الدرجة العلمية بمقابل مادي، فيما يُعرَف بـ"ظاهرة شراء البحوث العلمية" التي تتم تحت أسماء وصيغ مختلفة.. وللأسف الشديد؛ فإن هذه الظاهرة غدت منتشرة بقوة في بعض الدول، وتقوم عليها مكاتب وسماسرة ووسطاء، وبعضهم معروف، ولديه شهرة كبيرة، ويعلن عن نفسه بشكل علني من دون خوف أو خجل.. وهناك التزوير من خلال السطو على بحوث الآخرين ونقلها وسرقتها وإسنادها، بغير وجه حق، إلى المزور، وللأسف فإنه في ظل الانفجار المعلوماتي وانتشار الإنترنت، غدا من الصعب اكتشاف ذلك حتى مع البرامج الموجودة لهذا الهدف.
وفضلاً عمَّا سبق هناك التزوير من خلال الحصول على شهادات من جامعات وهمية لا وجود لها في الواقع، أي بمعنى الحصول على شهادات من دون دراسة حقيقية، وقد قرأت في بعض التقارير الإعلامية عن هذا الموضوع ما يشيب له الولدان؛ حتى إن ممَّا قرأته أن ثمَّة إعلانات حول توصيل الشهادات إلى المنازل "دليفري" أو الحصول على شهادة الماجستير أو الدكتوراه خلال شهور، أو حتى أسابيع قليلة، وغيرها الكثير ممَّا يسيء إلى معنى العلم والشهادة العلمية، حتى إن كثيرين بدؤوا يستخفُّون بالشهادات ومَن يحملها، من دون أن تتحرك الجهات الرقابية لملاحقة هذه الإعلانات ومَن يقفون وراءها. ويدفع المُجِدُّ، الذي بذل العرق والوقت سنوات طويلة للحصول على شهادة ينفع بها نفسه ووطنه، ثمن أفعال المزوّرين والمجرمين الذين يريدون أن يأخذوا ما ليس بحقهم، ويحصلوا على درجة علمية بالغش والتدليس، ومن دون أي تعب أو جهد أو جدارة.
ما الحل ؟
وهنا يتساءل الدكتور السويدي: ولعل السؤال المهم في هذا الصدد بعد كل ما سبق هو: ما الحل؟ وما السبيل إلى وقف هذه الظاهرة وسدّ الثغرات في الآليات الموجودة لتدقيق الشهادات العلمية؟.. المسألة ليست سهلة ؛ لأن القضية معقدة ومتداخلة، لكن برغم ذلك، فإن المواجهة ليست مستحيلة من ناحية، ولا بديل لها من ناحية أخرى، ويمكنني في هذا السياق أن أقدم بعض المقترحات التي يمكن أن تسهم في هذه المواجهة، التي هي مسؤولية أصيلة للجهات المعنية في الدول المختلفة، وأهم هذه المقترحات هي:
- تفعيل دور الجهات الرقابية المعنية بالتدقيق على الشهادات العلمية، فلا ينقصنا مثل هذه الجهات، ولكن ما ينقصنا هو قوة دورها.
- سنّ التشريعات التي تغلّظ عقوبة جريمة التزوير بصفتها جريمة نافذة الضرر إلى المجتمع من ناحية، وتسرّع من إجراءات المحاكمة فيها من ناحية أخرى، ما يحول دون إفلات أي مجرم من العقاب.
- عرض البحوث الخاصة بالماجستير والدكتوراه على لجان متخصصة قبل اعتماد الشهادات من الجهات المعنية، بحيث تتولى هذه اللجان فحص الأصالة والجِدَّة العلمية في البحث، ومناقشة الباحث للتأكد من إلمامه به، وعدم شرائه أو سرقته، ويمكن الطلب منه إلقاء محاضرة في موضوع الدراسة، أو تقديم عرض عنها قبل اعتماد شهادته.
- متابعة الجهات التي تعلن بشكل واضح استعدادها لإجراء بحوث علمية، وملاحقتها وتقديمها إلى القضاء، وعدم التهاون في ذلك، خاصةً أن ثمَّة إعلانات تظهر في صحف إعلانية بدولة الإمارات العربية المتحدة، ويتم توزيعها على البيوت، وبها إعلانات واضحة عن مكاتب تقوم بعمل البحوث للطلبة في المراحل التعليمية المختلفة، والغريب أنه لا أحد يمنعها، أو يتصدّى لها.
- يمكن التعاون مع شركات متخصصة بتدقيق الشهادات العلمية والمهنية؛ لأنها تملك تقنيات وشبكات متابعة وبحث، وخبرات أكبر في الكشف عن عمليات التزوير التي يتفنن أصحابها والقائمون عليها في تطويرها وتجديدها للالتفاف على عمليات التدقيق والمراجعة.
ويخلص الدكتور السويدي إلى القول: إن مجتمعاً تنتشر فيه ظاهرة تزوير الشهادات العلمية هو "مجتمع في خطر" ولذلك فإن هذا المقال هو بمنزلة صرخة في وجه هذه الظاهرة المقيتة، وأتمنى أن ينضم إليَّ آخرون في الحملة التي أقودها ضد هذا الوباء، سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر الصحف والتليفزيونات، وغيرها من وسائل الإعلام؛ لأن الخطر جَلَل؛ ليس على الحاضر فقط، وإنما على المستقبل أيضاً.



نظام صارم لـ "الهيئة الوطنية للمؤهلات" لمكافحة التزوير
تجرّم دولة الإمارات تزوير الشهادات الدراسية، والتعامل فيها، غير متهاونة في معاقبة كل من نال شهادة وهمية، بعد أن يحال إلى الجهات الأمنية للتحقيق معه، حيث تم اتباع إجراءات مشددة في التدقيق على الشهادات المراد اعتمادها؛ فمنذ عام 2008 حتى نهاية 2014، تم ضبط 100 شهادة مزوّرة قُدِّمت للمعادلة، بعدما تم الحصول عليها من جهات خارج الدولة.
وفي عام 2010، كشفت إدارة معادلة الشهادات في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، قبل أن يصبح مجال إشرافها ضمن وزارة التربية والتعليم في عام 2016، 11 حالة تزوير لمؤهلات عليا.. وفي عام 2016، بدأت وزارة التربية والتعليم تحويل جميع الشهادات الجامعية المزوّرة الواردة من خارج الدولة إلى النيابة العامة، للتحقيق فيها، ضمن إجراءات مشددة وضعتها على آلية معادلة الشهادات، إضافة إلى المستند الذكي الذي تمّ إعلانه خلال أكتوبر من العام نفسه، للحد من عمليات التزوير الواردة من الجامعات الخارجية.
ويُنظر إلى تأسيس "الهيئة الوطنية للمؤهلات" التي تأسست بموجب مرسوم اتحادي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في أغسطس 2010، كإحدى أبرز المؤسسات الهادفة إلى إيجاد آلية سليمة للاعتراف بالمؤهلات، حيث يدخل ضمن مهامها وضع نظام صارم لضمان جودة التراخيص واعتماد مزودي خدمات التعليم والتدريب.. ويعدّ مثول خليجي متهم بتزوير شهادة الدكتوراه الخاصة به أمام محكمة جنايات أبوظبي مؤخراً، من أهم الدلائل على أن المؤسسات التعليمية والقضائية في دولة الإمارات، لا تتهاون مع عملية تزوير الشهادات والاحتيال من خلالها على مؤسسات الدولة ومواطنيها، لما يسببه ذلك من أثر بالغ في أمن وسلامة المجتمع، الأمر الذي يستدعي إيقاع أشد العقوبات على كل من تسول له نفسه خيانة وطنه وشعبه، بالحصول على شهادة علمية مزورة، تخلّ بالقيم الوطنية، وتنافي القوانين والشرائع الدولية الخاصة بالنزاهة والمصداقية.
إن تزوير الشهادات العلمية، يعني اللجوء إلى الخداع والتحايل والكذب، وهو أسلوب ملتوٍ هدفه الوصول إلى مآرب شخصية، تدخل في باب الفساد والغش وتزوير الحقائق، جرّاء لجوء هؤلاء إلى تبديل واقع الأمور المنطقي إلى ما يغايره تماماً، سعياً إلى تحقيق منافع تتخطى المصلحة العامة إلى ما هو خاص، وممارسة سلوكيات عوجاء، لم تتخذ النزاهة طريقاً ولا المصداقية وسيلة في استحقاق الحق الذي يجب أن يكون لمن حصل على علمه بالتعب والكد والجد والإخلاص، لا بالتزوير والخيانة والوهم والخداع، لنيل وجاهة اجتماعية لا يستحقها.



اخترنا لكم