info@assayad.com     +971 2 443 7475     +971 777 55 33
العدد 3907
 - 
الأربعاء ٢٤ - أبريل - ٢٠٢٤ 
ABU DHABI
ABU DHABI
الأربعاء ٢٤ - أبريل - ٢٠٢٤  /  العدد 3907
الأرشيف
تابعونا على فيس بوك
تابعونا على تويتر
أخبار دوليّة
العالم كله يتساءل : ماذا بعد..؟ الولايات المتحدة وإيران.. 40 عاماً من الصراع
منذ مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في 3 يناير/كانون الثاني 2020 في غارة جوية أمريكية على أسوار مطار العاصمة العراقية بغداد، تصاعدت نذر المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، وبلغ التوتر بين الطرفين درجة غير مسبوقة.. ورغم الرد المحدود نسبياً الذي قامت به إيران رداً على مقتل سليماني باستهداف قاعدة "عين الأسد" في العراق بصواريخ باليستية.. وبصرف النظر عن كون إيران قد اكتفت به أم لا .. تظل نذر المواجهة مفتوحة على مصراعيها.
ورغم الاختلاف والتباين - والتناقض ربما - بين تحليلات الخبراء والمراقبين لما يجري على الساحة.. إلا أنهم يتفقون على شيء واحد.. أن هناك قنبلة كبيرة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة.. ولا معلومات عن مكانها وتوقيت انفجارها.. لكن الجميع يسمعون دقات "ساعة المؤقت" بوضوح.. ويترقبون لحظة لا يرغبها أحد.
في السطور التالية نلقي الضوء على تطور العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران خاصة خلال السنوات الأربعين الماضية.. ونتساءل : ماذا بعد..؟


فاجأ اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني فى العراق على يد الولايات المتحدة عبر استهداف موكبه بالقرب من مطار العاصمة العراقية بغداد، صانع القرار الإيراني، فحتى لحظة العملية لم يكن أكثر المتشائمين داخل إيران ولا منظرى السياسة الإيرانية، يتوقعون هذه الخطوة، لاسيما وأنها تأتي وسط توتر متصاعد لكنه مدروس بين طهران وواشنطن منذ صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب 2017، مما ينذر باشتعال نزاع قد يكون عسكرياً بالمنطقة، الأمر الذى يثير التساؤلاً حول امكانات طهران للرد، وما السيناريوهات المرجحة.
الحادثة أخرجت الصراع الإيراني - الأمريكي من دائرة التوتر المدروس إلى مرحلة جديدة يمكن تعريفها بمرحلة تغيير قواعد اللعبة السياسية بين البلدين، تلك المرحلة اتخذت منحنى تصاعدياً منذ صعود ترامب وتمثلت فى اجراءات عديدة صادق عليها فى مقدمتها ادراج الحرس الثورى على قوائم الإرهاب فى أبريل عام 2019، وفرض عقوبات على المرشد الأعلى سبتمبر 2019، والانسحاب من الاتفاق النووي مايو 2018، والاقدام على ضرب مواضع داخل إيران فى يونيو 2019.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلال موجات الصواريخ البالستية الإيرانية التي تساقطت على قاعدة عين الأسد العسكرية غرب العراق تجمّع الجنود داخل مخابئ لساعات، تخوفاً من تفاقم النزاع، كما قال لوكالة فرانس برس القائد الأميركي الأعلى في القاعدة، واصفاً الهجوم بـ"غير المسبوق".. وخلال المقابلة في القاعدة الجوية، قال اللفتنانت كولونيل تيم غارلاند إن رؤساءه أعطوه "بضع ساعات من التحذير المسبق" من أن هجوماً سيقع ليلة السابع من كانون الثاني/يناير.
قصفت إيران بصواريخ بالستية فجر الثامن من كانون الثاني/يناير قاعدة "عين الأسد" حيث تتمركز قوة أميركية، ردّاً على مقتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني بضربة أميركية وقال غارلاند "كان رد فعلي الأول الصدمة، وعدم التصديق بداية"، مشككاً حينها في قدرة إيران أو استعدادها لشن هجوم صاروخي على القاعدة.. وهذه القاعدة إحدى أكبر القواعد العسكرية العراقية، وتتواجد فيها قوات التحالف الدولي، بينها 1500 جندي أميركي، هم الجزء الأكبر، إلى جانب آلاف الجنود العراقيين، وأشار غارلاند إلى أن وضع تلك القوات في مأمن كان عملاً سريع التفكير والتنسيق بين قادة الجيش والقوات الجوية في عين الأسد، وبحلول الساعة 23,00 (20,00 ت غ)، كانت القوات الأميركية وقوات التحالف قد خرجت من عنابر نومها ومكاتبها، واختبأت إما في مستودعات محصنة أو تشتت في أنحاء القاعدة.
وانتظر هؤلاء وسط التوتر، لأكثر من ساعتين، لكن حتى قائدهم لم يتوقع قوة الانفجارات التي وقعت بعد ذلك، وقال غارلاند لفرانس برس "عندما سقطت الموجة الأولى، كان أعلى وأقوى دوي أسمعه في حياتي".. وأضاف "كان هناك شيء غير طبيعي في الهواء.. الطريقة التي يتحرك بها والطريقة التي ارتفعت بها حرارة المكان، موجة الضغط التي حنت الباب وخلعته من مكانه".. فبدءاً من الساعة 01:35 (22,30 ت غ) وللساعات الثلاث التالية، تم إطلاق خمس صليات من الصواريخ البالستية على القاعدة، وعلى فترات متفاوتة "وأوضح غارلاند الذي خدم مرات عدة في العراق "لم أخف هكذا منذ فترة طويلة منذ زمن".. وأضاف "لم نكن نعرف كيف سيكون شكل الضربة، أو ما إذا سيكون لها تأثير القصف البساطي".
وعندما هدأ القصف، حوالى الساعة الرابعة فجراً، خرج القادة والجنود من ملاجئهم ليروا الحرائق مشتعلة في أنحاء القاعدة، وأكثر من عشرة مواقع أصابتها الصواريخ، ولكن - بأعجوبة - لم تقع إصابات، وقال غارلاند "كيف نجونا كانت معجزة من الله".
تهدئة عابرة
وبالعودة إلى الوارء قليلاً.. نستذكر أنه في يناير/كانون الثاني 2016 رفعت الولايات المتحدة العقوبات التي فرضتها على إيران بسبب برنامجها النووي بعد أن أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنفيذ إيران التزاماتها الواردة في الاتفاق المعروف باسم الاتفاق النووي الإيراني، الذي تم التوصل إليه عام 2015 بعد جولات مضنية من المفاوضات في إطار مجموعة 5 زائد واحد ( الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا).. لكن في مايو/أيار 2018 أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي كما تعهد بذلك خلال حملته الانتخابية، كما أعادت الولايات المتحدة فرض سلسلة عقوبات أشد صرامة من العقوبات السابقة، شملت حتى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وبغية حرمان إيران من عائدات النفط، أعلنت واشنطن أنها ستعاقب أي جهة تقوم بشراء النفط الإيراني بحيث تراجعت مبيعات النفط إلى حد كبير.
وفي شهر مايو/أيار 2019 تعرضت أربع ناقلات نفط إلى هجمات في خليج عمان، وفي شهر يونيو/حزيران 2019 تعرضت ناقلتان أيضاً لهجومين، وحملت واشنطن إيران المسؤولية عن الهجمات، وترافق ذلك مع حشد الولايات المتحدة المزيد من الجنود والقوات في المنطقة، وكادت الولايات المتحدة أن تشن حملة قصف جوي ضد أهداف إيرانية في أعقاب إسقاط طائرة أمريكية بلا طيار قرب مضيق هرمز، لكن ترامب أوقف الهجوم قبل 10 دقائق من الموعد المقرر.
عداء مستحكم
وبنظرة سريعة على علاقات البلدين، يتضح أن العداء كان السمة الغالبة على علاقاتهما، وقد بدأ ذلك مع الإطاحة بحكومة محمد مصدق عام 1953 بعد تأميمه الثروة النفطية لإيران، وما زال الإيرانيون يذكرون حتى الآن الدور الذي لعبته المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" في الإطاحة بحكم مصدق، فعندما أطيح بحكم الشاه عام 1979 كانت السفارة الأمريكية في طهران الهدف التالي لمجموعة من الطلاب المشاركين في الثورة.
وفي عام 1951 انتخب مجلس النواب الإيراني مصدق رئيساً للوزراء، وبعدها بأيام قليلة أصدر مصدق مرسوماً بتأميم النفط والغاز وهو ما أثار غضباً وخوفاً لدى بريطانيا والولايات المتحدة ويومها رفض الشاه بعض الأسماء التي رشحها مصدق لتولي مناصب في حكومته، فما كان من مصدق سوى الاستقالة، فتلت ذلك عدة أيام من الاضطرابات ما اضطر الشاه إلى التراجع والموافقة على حكومة مصدق، كما أقر البرلمان مشروع قانون تقدم به مصدق للحد من سلطات الشاه، لكن في أغسطس/آب 1953 أطاح الجيش بمصدق.
رتبت المخابرات المركزية الأمريكية ونظيرتها البريطانية عملية الإطاحة بحكومة مصدق الذي كان يتمتع بتأييد شعبي واسع، وأعادت الشاه محمد رضا بلهوي إلى الحكم، وبعد العودة إلى الحكم، صار الشاه من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وأكثرهم موالاة لها، وكانت إيران منذ بداية الحرب العالمية الأولى ضمن منطقة نفوذ بريطانيا، التي كانت تحتكر النفط في البلاد عن طريق شركة النفط الأنغلو- إيرانية التي حملت فيما بعد اسم "بريتش بتروليوم".
وبعودة الشاه، أصبحت إيران خارج دائرة النفوذ البريطاني، وتحولت إلى حليف قوي للولايات المتحدة في وجه المد اليساري الذي كان يجتاح المنطقة، وشن الشاه حملة قمع واسعة ضد اليسار ورجال الدين المعارضين له، فاضطر عدد كبير منهم إلى الفرار إلى الخارج.
محطات رئيسية
* في عام 1957 وقعت الولايات المتحدة وإيران على اتفاقية حول استغلال الطاقة النووية لأغراض سلمية، وبعدها بعشر سنوات، قدمت الولايات المتحدة مفاعلاً نووياً لمركز أبحاث في طهران ووقود المفاعل على شكل يورانيوم مخصب إلى درجة 93 في المئة وهو نفس درجة تخصيب اليورانيوم المستخدم في إنتاج الأسلحة النووية.
* في عام 1968 وقعت إيران على إتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وصادقت عليها بعد عامين، شريطة السماح لها بالاحتفاظ بالمفاعل واستخدامه لأغراض سلمية.
* أطاحت الثورة الاسلامية عام 1979 بنظام حكم الشاه الذي فر إلى الخارج، وعاد آية الله الخميني من منفاه في فرنسا ليتولى منصب المرشد الأعلى للثورة، وبعدها بفترة قصيرة، اقتحم عشرات الطلاب السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا عشرات الدبلوماسيين والموظفين لمدة 444 يوماً، مطالبين بتسليم الشاه لمحاكمته.
* قطعت الولايات العلاقات الدبلوماسية مع إيران عام 1980، وحجزت الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة وقطعت العلاقات التجارية معها، وحظرت تصدير معظم السلع إليها، وفي نفس العام، فشلت محاولة إنقاذ الرهائن الأمريكيين المحتجزين في طهران عندما اصطدمت مروحيتان أمريكيتان ببعضهما أثناء عملية إنزال في "صحراء لوط" وقتل 8 جنود أمريكيين في الحادث.
* أطلقت إيران سراح الرهائن الأمريكيين عام 1981 بعد أيام من استلام الرئيس، رونالد ريغان، مقاليد الأمور في الولايات المتحدة خلفاً لجيمي كارتر.
* في عام 1984 صنفت واشنطن إيران في خانة "الدول الراعية للارهاب".
* عام 1986 انفجرت فضيحة "إيران كونترا" التي كان يتم في إطارها بيع أسلحة أمريكية بطريقة غير مشروعة إلى إيران، وكانت الأموال الناتجة عنها تستخدم في تمويل الجماعات المسلحة المناهضة لحكومة نيكاراغوا التي كانت تحمل اسم كونترا.
* في عام 1988، أسقطت بارجة أمريكية طائرة ركاب إيرانية فوق مياه الخليج، وقُتل جميع ركابها البالغ عددهم 290 شخصاً.
* عام 2000 وفي تصريح ملفت غير مسبوق، أقرت وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها مادلين أولبرايت بدور بلادها في الانقلاب ضد مصدق، وقالت: "من السهل إدراك سبب استمرار كراهية أغلبية الإيرانيين لتدخل أمريكا في شؤون بلادهم الداخلية".
* في عام 2002 أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن أن العراق وإيران وكوريا الشمالية يشكلون ما سماه بـ "محور الشر"، واتهم إيران بامتلاك برنامج سري لإنتاج الأسلحة النووية، وأعلنت جماعة إيرانية معارضة مقيمة في الخارج أن إيران أقامت موقعين لهما علاقة ببرنامجها النووي لم تكشف عنهما وهما "ناتنز" و"آرك".
* في عام 2006 أعربت واشنطن عن استعدادها للانضمام إلى مباحثات متعددة الأطراف إذا وافقت إيران على وقف تخصيب اليورانيوم.
* عام 2007 تحادث وزير خارجية إيران منوشهر متقي ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس على هامش مؤتمر عقد في العاصمة المصرية القاهرة، وفي نفس العام، أعلنت أجهزة المخابرات الأمريكية وبدرجة عالية من اليقين أن إيران كانت تقوم بأبحاث لإنتاج سلاح نووي حتى نهاية عام 2003 وهو العام الذي توقفت فيه عن المضي قدماً في هذا المجال.
* عام 2008 أرسل الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن لأول مرة نائب وزير الخارجية الأمريكي ويليام بيرنز، للمشاركة بشكل مباشر في المحادثات التي كانت تجري في جنيف حول الملف النووي الإيراني.
* عام 2009 وصل الرئيس الامريكي باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وأعلن أنه على استعداد لمد يده لإيران وفتح صفحة جديدة معها إذا بادلته نفس الشيء و"أقنعت الغرب بأنها لا تسعى إلى بناء قنبلة نووية"، وفي العام ذاته، أعلنت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة أن إيران تبني سرا منشأة لتخصيب اليورانيوم في موقع قريب من مدينة "قم" وردت إيران على ذلك بالإعلان أنها أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن المنشأة قبل أسبوع.
* خلال الفترة ما بين 2009 و2012، توقفت تقريباً مفاوضات القوى الكبرى وإيران، ودخل حيز التطبيق عام 2012 قانون أمريكي يمنح الرئيس أوباما سلطة فرض عقوبات على المصارف الأجنبية، بما في ذلك المصارف المركزية للدول الحليفة للولايات المتحدة، إذا لم تقلص مشترياتها من النفط الإيراني، وأدى ذلك إلى تراجع كبير في مبيعات النفط الايراني وترك ذلك أثراً بالغاً على اقتصادها، وفي ذات العام، عقد البلدان مباحثات سرية، وتكثفت المباحثات عام 2013 وتمحورت حول الملف النووي الإيراني.
* في عام 2013 وصل إلى رئاسة الجمهورية في إيران حسن روحاني، الذي كان يعتبر معتدلاً وبراغماتياً ورفع شعار تحسين العلاقات مع العالم الخارجي والاهتمام بالوضع الاقتصادي، ومن الطبيعي أنه لا يمكن تحقيق هذين الهدفين دون رفع العقوبات المفروضة على بلاده بسبب ملفها النووي.
* في سبتمبر/أيلول 2013 تحدث الرئيسان أوباما وروحاني عبر الهاتف في أول بادرة من نوعها منذ ثلاثة عقود.
* في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 مهدت المحادثات السرية بين طهران وواشنطن الطريق أمام التوصل إلى اتفاقية مؤقتة تحمل اسم "خطة العمل المشترك" وتعرف عالمياً باسم الاتفاق النووي الإيراني، وتنص في جوهرها على حد إيران من نشاطها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها.
* في يوليو/تموز 2015 أعلنت مجموعة "خمسة زائد واحد" عن التوصل إلى "اتفاقية خطة العمل المشتركة الشاملة"، والتي وافقت بموجبها إيران على مجموعة من الخطوات، من بينها تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي ووقف العمل بالجزء الأساسي من مفاعل آرك، مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة بدرجة كبيرة.
* في يناير/كانون الثاني 2016 أطلقت إيران سراح عشرة بحارة أمريكيين دخلوا المياه الاقليمية لإيران بعد 24 ساعة من احتجازهم، وبعدها بيومين أعلن البلدان التوصل لصفقة تبادل السجناء، وشملت أربعة أمريكيين كانوا في السجون الإيرانية مقابل سبعة إيرانيين كانوا قيد المحاكمة في الولايات المتحدة.
خيار ضبط النفس
بينما حبس العالم أنفاسه بعد التصعيد الخطير بين طهران وواشنطن.. يقول مراقبون إنه يبدو أن الطرفين ربما جنحا إلى خيار ضبط النفس، على الأقل في الوقت الراهن.. حيث اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف هذه الهجمات الصاروخية بمثابة "تدابير متناسبة للدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".. وكتب ظريف في "تغريدة": "لا نسعى إلى التصعيد، لكننا سندافع عن أنفسنا ضد أي عدوان".. ويبدو أن هذه التصريحات مقرونة بالتقييمات التي تفيد بعدم سقوط أي ضحية أمريكي، تظهر، وفقاً للمراقبين، أن طهران سعت إلى إيجاد طريقة للخروج من هذه الأزمة التي قد تزج بها في مواجهة مباشرة مع واشنطن.
وفي واشنطن، كانت أيضا نبرة التهدئة هي السائدة؛ فبعد تصريحاته القوية وتهديداته باستهداف حتى المواقع الثقافية في إيران، رجح الرئيس ترامب خيار ضبط النفس.. وقال ترامب في كلمة من البيت الأبيض: "يبدو أن إيران تخفف من حدة موقفها، وهو أمر جيد لجميع الأطراف وجيد للغاية بالنسبة للعالم"، مشيراً إلى أن الجيش الأمريكي "مستعد لكل شيء".. وجدد الرئيس الأمريكي تعهده بمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، لكنه لم يأمر باستخدام مزيد من القوة.
ووفاء لاستراتيجيته المتمثلة في ممارسة ضغوط قصوى على إيران، أعلن ترامب فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على طهران، داعياً الأوروبيين والصين وروسيا إلى مراجعة شاملة للاتفاق النووي الإيراني.
ويعكس رد فعل ترامب المتزن، حتى الآن، ارتياحاً واضحاً لدى بعض مسؤولي البنتاغون لتفادي خيار الحرب الذي كانت الإدارة الأمريكية تتجه إليه، ويجسد هذا الأمر قناعة متزايدة لدى بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية بأن الصواريخ الإيرانية تفادت "عمداً" المناطق التي يتواجد بها الأمريكيون عندما استهدفت القاعدتين العراقيتين.
ويعتقد مسؤولون أمريكيون تحدثوا إلى القناة الإخبارية الأمريكية "CNN" أن إيران ربما تكون قد اختارت توجيه رسالة بدلاً من الإقدام على خطوة من شأنها إثارة رد عسكري أمريكي واسع النطاق.. وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية للقناة التلفزيونية إن الأمر يتعلق بـ"خطوة ذكية" من جانب الإيرانيين الذين تبين لهم أنهم "سيخسرون الكثير" إذا قتلوا أمريكيين.
وعلى صعيد الكونغرس، تم التأكيد مجدداً على الموقف الرافض للخيار العسكري، والذي تم التعبير عنه عقب مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني؛ وذلك من خلال تقديم قرار أمام مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديمقراطيون لتقييد صلاحيات الرئيس في الزج بالبلد في عمل عسكري دون موافقة مسبقة من "الكابيتول".
ويظل التساؤل قائماً حول ما إذا كانت هذه الهدنة ستصمد، أم أن الطرفين سينجران إلى أعمال عدائية أخرى..؟.. خاصة إذا كانت "المرجعية الدينية" في طهران طالبت برد مباشر من الجيش الإيراني على مقتل الجنرال سليماني، فلا شيء يمنعها من استخدام حلفائها في المنطقة للقيام بأعمال بالوكالة أو شن هجمات سيبرانية ضد مصالح الولايات المتحدة، والتي يرى الخبراء أنها قد تؤجج التوتر بين الجانبين في أي لحظة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كادر
طرق بديلة تستخدمها إيران لبيع نفطها رغم الحظر
1- البيع عبر موانئ العراق
بعد يومين من إعلان واشنطن سياسة "تصفير صادرات النفط الإيرانية" قررت شركة النفط الوطنية الإيرانية افتتاح مكتب لها في بغداد، الأمر الذي أثار علامات استفهام لدى مختصين في صناعة النفط.. وليس بغريبٍ أن يُعد العراق بوابة خلفيَّة لتهريب النفط الإيراني من خلال أنابيب الخام المشتركة بين البلدين، حيث يُنقل النفط الإيراني براً عبر شاحناتٍ لبيعه في موانئ البصرة على أنه نفط عراقي، وتحدث هذه العملية تحت إشراف الفصائل الموالية لطهران، التي تسيطر على موانئ البصرة المطلة على الخليج العربي، وفي ظل غياب الشفافية، وبالتالي لا يعرف أحد كم يصدر من النفط فعلياً عبر الموانئ العراقية.
2- البيع في البحار
بموازاة نقل النفط الإيراني براً عبر الدول المجاورة لإيران، تشحن طهران نفطها عبر ناقلات كبيرة، وتفصل أجهزة الإرسال والاستقبال عليها للتهرب من متابعة الأقمار الصناعية، وتعوِّم هذه الناقلات في البحار لحين إيجاد مشترين لها، أو تخزّن حمولاتها في موانئ الصين بانتظار بيعه إما إلى الصين أو لدول أخرى.
كما تبحر في الخليج العربيّ، وبحر العرب، والمحيط الهندي مئات السفن يومياً، ما يجعل عملية مراقبتها صعبة جداً بالنسبة لواشنطن، ويمنح هذا هامشاً لطهران تلتف من خلاله على العقوبات الأمريكية، ومن أبرز الطرق المستخدمة في تهريب النفط الإيراني تغيير ملكية ناقلات النفط وأعلامها، أو الاستعاضة عنها بناقلات أخرى مستعدة للمخاطرة مقابل المردود الماليّ العاليّ، فضلاً عن تزوير منشأ شحنات النفط.
ويمكن لإيران تخزين النفط داخل ناقلات في البحر لعدة أشهر، وتقول وكالة "بلومبرج" إن إيران استخدمت التخزين العائم من 2012 إلى 2016، حين كانت تحت وطأة العقوبات الدولية، وعادت إلى هذه الآلية في 2018 مع بدء واشنطن فرض عقوباتها على طهران، ومن بين أبرز الطرق التي اتبعتها طهران في هذا الإطار تحميل سفن ترفع علم بنما، وتخفي مكانها عبر إيقاف نظام تحديد الموقع الآلي (AIS)، يعينها على ذلك أن هذه الناقلات من نوع (STS)؛ أي قادرة على التحميل من سفن في عرض البحر والإفراغ في أخرى.
3- البيع عبر حلفاء يطلون على المتوسط
تحقيق "نيويورك تايمز" يكشف أن العقوبات الأمريكية لم تمنع إيران من نقل النفط إلى البحر الأبيض المتوسط وآسيا، وفقاً لما أكده محلل في "كليبرداتا" الذي يتعقب الشحنات العالمية الخام؛ فيما أكد أحد المحللين للصحيفة الأمريكية أن حجم الشحنات التي وثقها تحقيق "التايمز" أكبر مما كان معروفاً للجميع.. أما فيما يخص طريقة نقل النفط إلى سوريا، فيحدث ذلك عبر شركتين غامضتين تتخذان من لبنان مقراً لهما، تملكان وتديران ناقلات تنقل النفط الإيراني بصورة غير مشروعة في شرق البحر المتوسط.
4- البيع عبر الصين
أحد الطرق البديلة الأخرى التي تتبعها إيران هي بيع النفط في بورصات لا سلطة أمريكية عليها ولا تتعامل بالدولار، مثل بورصة شنغهاي الصينية التي تتعامل باليوان، وتشير وكالة "بلومبرج" الأمريكية إلى أن كميات كبيرة من صادرات النفط الإيرانية تدخل الصين دون أن تظهر في بيانات الجمارك الصينية، أو حتى تمرُّ عليها، وإنما تبقى في منشآت تخزين عائمة خارج الحدود، ويتم التعامل معها على أنها جزء من احتياطيات النفط الاستراتيجية الصينية.. وتتحايل بكين بمساعدة طهران على العقوبات الأمريكية المفروضة على صادرات النفط الإيرانية، إذ تلعب الصين دوراً كبيراً في تقديم مستندات غير حقيقية لشحنات النفط الإيراني لإعطائها صفة قانونية، مقابل حصولها على تخفيضات ضخمة عند شراء النفط الإيراني.
5- البيع لأفراد وشركات خاصة
طريقة أخرى تتبعها إيران للالتفاف على العقوبات الأمريكية تتمثل في بيع النفط الإيراني إلى أفراد أو شركات إيرانية خاصة، تبيعها بدورها بأسعار أعلى، إذ تغيب الدولة الإيرانية عن الواجهة خلال عملية البيع هذه، وأشار المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، إلى أن هناك أشخاصاً إيرانيين دشنوا العشرات من الشركات في أوروبا وآسيا الوسطى وجنوب شرقي آسيا والهند للتجارة والتصدير، مشيراً إلى أن شركة النفط الإيرانية تضع ناقلاتٍ نفطيَّةٍ في المياه الدولية تحت تصرُّف أصحاب هذه الشركات، لبيع حمولتها في روتردام أو سنغافورة أو ماكاو.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



اخترنا لكم