من الشخصيات الإماراتية متعددة المواهب والاهتمامات.. له باع طويل في في اختصاصات عديدة متنوعة.. في التاريخ والأدب والجغرافيا، والتخصصات الثقافية عموماً.. وإسهامات بارزة في حقل التربية والتعليم .. وإضافة لكل ذلك في سجلاته تاريخ طويل من العمل في حقل الرياضة والعمل العام.. حصل على أوسمة وتكريمات داخل الدولة وخارجها لقاء جهوده على جميع الأصعدة.
هو الدكتور عبدالله الريسي الذي يضطلع اليوم بمسؤولية الحفاظ على ذاكرة الوطن وصونها من خلال الأدلة الموثقة من خلال عمله مديراً للأرشيف الوطني في الإمارات.

أجرى سعادة الدكتور عبدالله الريسي المدير العام للأرشيف الوطني في الإمارات مؤخراً لقاء مع قناة "ياس" الفضائية.. وتمحور الحديث حول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والتاريخ الذي يكتبه لدولة الإمارات العربية المتحدة وماتكتبه الإمارات بشكل عام .. وهنا مقتطفات من اللقاء.
الشكر لا يكفي
قال الدكتور عبد الله الريسي: أقول كلمة شكر لا تكفي وحدها..لأن عطاءات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد كثيرة جداً..في كل المجالات، إذا نظرنا اليوم في أي مجال من مجالات الحياة في الإمارات التي تطورت بشكل مذهل خلال العشر سنوات الماضية تحديداً.. وأنا أريد في هذا المقام أن أروي قصة تجسّد ما ذكرت.. في العام الماضي زارنا وفد من المجلس الدولي للأرشيف، وكان هناك لقاء للوفد مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد .. وبعد انتهاء اللقاء مع سموه.. كان يمشي إلى جواري رئيس المجلس الدولي للأرشيف، فقلت له: إن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد سطر تاريخاً جديداً لدولة الإمارات.. ليس بالأقوال ولكن بالأفعال.. وما تشاهدونه اليوم من إنجازات وحضارة في الإمارات هو نتاج فكر "أبناء زايد".. و"رؤية زايد" المستقبلية التي كانت تمتد لمئات السنين .. وكررت : هذا الرجل سطر التاريخ.. فقال لي رئيس المجلس الدولي للأرشيف: ومازال.. هذه البداية .. إذا أردتم الحكم على سموه فاحكموا بعد عشر سنوات وسترون التاريخ فعلاً .
العدل أساس الحكم
وتابع الريسي: إن أعمال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد هي التي تتحدث عنه.. فهو لا يتحدث عن أعماله.. يعمل دائماً بصمت.. وإذا أردت وصفه أقول : سموه يتمتع بالحكمة والرؤية الثاقبة والعدل الذي هو أساس الحكم.. فضلاً عن التواضع الجم.. وقد رأينا ولمسنا مواقف كثيرة تدل على ذلك خلال السنوات الماضية .. دائماً نرى سموه الرجل المبتسم.. وعندما تحدثه يمنحك الأريحية في الكلام.. أنت عندما تتكلم مع مسؤول يكون هناك شيء من الرهبة والخوف.. لكن حينما تتحدث مع سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد تشعر بالارتياح .. سموه يشعرك بذلك ويكسر الحاجز بينك وبينه.. أنا كانت لي لقاءات كثيرة مع سموه .. وفي كل مرة يشعرك بأن قلبه معك بكل أحاسيسه.. ويبادرك بأسئلة تفيد في حل أي إشكال يرد على ذهنك وممكن أن تراه في المستقبل في أي قضية تعرضها على سموه.. يعطيك إجابة ربما لو رحت تبحث عنها في مكان آخر لاستغرق الأمر شهوراً وقد لا تجدها.
"G4"
أنا أجلس يومياً مع مستشارين أمريكان يعملون معنا في الأرشيف.. نجلس ونتحدث عن شخصية سمو الشيخ محمد بن زايد .. وهم يلخصون هذه الشخصية القيادية فيقولون لنا: نتمنى أن يكون عندنا "محمد بن زايد" في أمريكا أو كندا.. سموه يساهم في صنع القرار عالمياً وليس على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الآسيوي .. ومرة قلت لهم مازحاً: لديكم "G7" و"G 20" اليوم هناك "G4" قالوا ماذا تقصد ؟ .. قلت : "أمريكا وروسيا والصين ودولة الإمارات" .. لأن سموه يلعب دوراً مؤثراً وقوياً في صنع واتخاذ القرار عالمياً، وليس في الإمارات والمنطقة فقط.. وهذا ما نراه أمام أعيننا كل يوم.
الأمن والأمان
منذ أيام كنت مع المستشارين الأمريكان في الأرشيف الوطني .. فقال لي أحدهم: لقد تلقينا إنذاراً من السفارة الأمريكية أن هناك أزمة تتطلب الحذر ونحن نخشى على سير أعمالنا.. فقلت له: أنت الآن أمضيت 6 سنوات في دولة الإمارات.. هل شعرت للحظة واحدة أنك لست بأمان ؟ ، قال لي : أبداً على الإطلاق.. فسألته: أنت عندما تذهب إلى أمريكا هل تحس بالأمان هناك أم هنا ؟ .. قال لي : بالعكس عندما أكون هنا في الإمارات.. فأجبته : ما الذي يدعوك إذاً لتكون قلقاً على وضعك ..؟ أجاب : إن تلك المحاذير لا نأخذها على محمل الجد.. ولو كنت في أمريكا ولا أعرف دولة الإمارات كنت سأصدقها وآخذها على محمل الجد.. لكن وجودي هنا وتجوالي في الإمارات حتى منتصف الليل أنا وأسرتي حتى الصباح يجعلنا نشعر بالأمان.. قلت له : إن العمود الفقري لكل دولة لتعزيز اقتصادها وحياتها الاجتماعية هو الأمن والأمان.. وهذا الأمر لم يأت من فراغ.. بل بعد جهود طويلة وفكر واستراتيجيات واضحة.
أرشيف زاخر
وحول الجهد الكبير الذي يبذله الأرشيف الوطني في الإمارات أضاف الدكتور الريسي: لدينا في الأرشيف اليوم أكثر من مليوني صورة.. وأكثر من سبعة آلاف ساعة مادة فيلمية لشيوخ الإمارات.. ونسعى دائماً لرصد كل ما يحدث حولنا من أنشطة يومية.. وقمنا بتوثيق يوميات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد منذ عام 1969 حتى عام 2010.. في أربعة مجلدات.. والآن نتابع التوثيق وبعد شهور قليلة نستكمل حتى عام 2020 .. ونتوقع أن تكون السنوات العشر الأخيرة من 2010 حتى 2020 ستكون في عشرة مجلدات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كادر
د. عبدالله الريسي
الدكتور عبدالله الريسي حاصل على الدكتوراه في اللغة الإنجليزية من جامعة ويسكنسن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1997، وعلى الماجستير في الإبداع وريادة الأعمال من كليات التقنية العليا في الإمارات بالتعاون مع جامعات هارفارد و"إم.آي.تي" وستانفورد الأمريكية في عام 2007.
تدرّج في عدة وظائف تعليمية أثناء عمله في وزارة التربية والتعليم بين عامي 1978 و1990 بدءاً من التدريس حتى أصبح مدير مدرسة.. وفي عام 1990 انتقل إلى جامعة الإمارات معيداً ثم أستاذاً لعلم اللغة التطبيقية، ونشر دراسات بحثية عديدة في اللغويات في الدوريات العلمية العالمية.. وشارك في تأسيس جامعة زايد وعمل بها مديراً لإدارة شؤون المجتمع والعلاقات الثقافية بين عامي 1998 و2000، وفي مارس عام 2000 انتدبته جامعة الإمارات للعمل مديراً للأرشيف الوطني بوزارة شؤون الرئاسة (الذي كان يُعرف آنذاك بمركز الوثائق والبحوث).
تبوأ منصب رئيس الفرع الاقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف منذ عام 2002 وحتى 2006، وخلال هذه الفترة شغل منصب نائب رئيس النادي العربي للمعلومات، ورئيس لجنة إعادة إعمار أرشيفات العراق، وانتُخب نائباً لرئيس المجلس الدولي للأرشيف عام 2005.. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة مبادرة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة الوطنية، وهو عضو مجلس إدارة مكتب بعثات صاحب السمو رئيس الدولة، ورئيس الهيئة الاستشارية لكلية العلوم والآداب في جامعة أبوظبي، وعضو لجنة تقييم البحوث في جامعة نيويورك بأبوظبي، وعضو لجنة المسميات الجغرافية في أبوظبي، ورئيس برنامج ذاكرة العالم التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، وعضو اللجنة التنفيذية لمتحف زايد الوطني، وعضو اللجنة التنفيذية لمهرجان قصر الحصن.
وقد مثّل الدكتور الريسي المنتخب الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في ألعاب القوى في الدورة العربية الخامسة التي أقيمت في سورية عام 1976.. وكان لاعباً لكرة اليد في النادي الأهلي، ومثَّل فريق جامعة الإمارات عام 1977، ويُعرف عنه أنه أول من أسس رياضة البولينج في دولة الإمارات العربية المتحدة.. وقد مثّلها كلاعب وإداري بين عامي 1978 و2002، وشغل منصبيْ رئيس وأمين عام الاتحاد الدولي للبولنج، إضافة إلى منصب الأمين العام المساعد للجنة الأوليمبية الوطنية الإماراتية، ونائب رئيس اللجنة الدولية لألعاب الشباب، ونائب رئيس اتحاد الإمارات للرياضة المدرسية، وشغل أيضاً عضوية اللجنة الرياضية للمجلس الأوليمبي الآسيوي، وعضوية لجنة الطب الرياضي، وعضوية لجنة التخطيط والمتابعة التابعة للجنة الأوليمبية الوطنية الإماراتية، وفي عام 2004 ترأس وفد دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الألعاب الأوليمبية التي أقيمت في أثينا بوصفه مدير البعثة، ونالت فيها دولة الإمارات العربية المتحدة أول ميدالية ذهبية أوليمبية في تاريخها فاز بها الشيخ أحمد بن حشر آل مكتوم في مسابقة الرماية.
حصل الدكتور الريسي على وسام السعفة الذهبية الأكاديمية برتبة ضابط من الحكومة الفرنسية إضافة إلى حصوله على وسام الاستحقاق من البرلمان الفرنسي اعترافاً بإسهاماته في تعزيز العلاقات الثقافية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا، وقد حظي بلقب أفضل خريج في العقد الأخير من جامعة ويسكنسن عام 2005، ومنحته اللجنة الأوليمبية الوطنية الإماراتية وسام الاستحقاق ثلاث مرات تكريماً له على إسهاماته في تطوير الرياضة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ومنذ عام 2014 دأب الدكتور عبدالله الريسي على إثبات قيادته المتميزة في حقول العلوم الأرشيفية والدراسات الأكاديمية والإسهامات العالمية؛ وهذا ما ارتقى بالمركز الوطني للوثائق والبحوث ليصبح الأرشيف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة الذي يضطلع بمسؤولية الحفاظ على ذاكرة الوطن وصونها من خلال الأدلة الموثقة على الأنشطة الإدارية والثقافية والفكرية.
بدأ الدكتور عبدالله الريسي إنشاء مركز هام جديد لتخزين السجلات وحفظها وترميمها في الوقت الذي عمل فيه مع كبار المتخصصين العالميين لتعزيز جودة المصادر الأرشيفية وتطويرها وإتاحتها، وعمل مع جامعة بريتيش كولومبيا في كندا لإدخال اللغة العربية في قاعدة بيانات مصطلحات الأرشيف المتعددة اللغات في المجلس الدولي للأرشيف.. وساهم في إنشاء الارشيف الوطني في مركز عيسى الثقافي في مملكة البحرين ، وشارك مع معهد غوغل الثقافي لتسهيل الاطلاع الإلكتروني في كافة أنحاء العالم على تراث دولة الإمارات العربية المتحدة الذي يضم الصور والوثائق. وسعى من خلال الحملة الوطنية المبتكرة لتوثيق السجلات الشخصية "وثِّقْ" إلى الحفاظ على التاريخ الوثائقي الغني للعائلات الإماراتية.
نظّم الدكتور الريسي ندوات دولية كبرى في أبوظبي في سبتمبر عام 2005 ويناير عام 2015؛ فاستضاف في الأرشيف الوطني المؤتمر السنوي للمجلس الدولي للارشيف، وفي أكتوبر عام 2015 استضاف الاجتماع الثاني عشر للجنة الدولية الاستشارية لبرنامج ذاكرة العالم التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، وهي لجنة مرموقة انتُخب رئيساً لها بالإجماع. وتتميز قيادته للأرشيف الوطني ـ التي تُعَدّ مثالاً يحتذى، إضافة إلى الأدوار البارزة التي اضطلع بها في مؤازرة مؤسسات مهمة أخرى في العالم ـ بروح الابتكار المتواصل في إطار الإدارة المتميزة.